اعداد :محمد المدريدي
لن تكون المواجهة المرتقبة غداً الأحد بين البرتغال وهولندا في عاشر
أيام بطولة أمم أوروبا أبداً مواجهة عادية، ليس فقط لتأثير النتيجة على
حظوظ المنتخبين في حجز مقعد بالدور المقبل من البطولة، بل أيضاً لما يحمله
دائماً لقاء برازيل القارة العجوز والطواحين الهولندية من أجواء ساخنة
وتنافس مثير.
فكلا المنتخبين شتهرا دائماً بأدائهما الجميل والجذاب، كما قدما للعالم
على مدار العقود الماضية بعض أفضل اللاعبين في التاريخ، ولكنهما كانا
دائماً ما يتعثران في الخطوات الأخيرة، ومقارنة مع منتخبات أوروبية أخرى
مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، لم ينجح المنتخبان كثيراً في استغلال هذا
الأداء الجميل للصعود على منصات التتويج.
ربما من ناحية الإنجازات تتفوق هولندا بعض الشيء على غريمتها، بتحقيقها
لقب أوروبي يتيم مع جيل ذهبي عام 1988 بعد الفوز على الاتحاد السوفييتي في
النهائي، وأيضاً ببلوغ نهائي المونديال ثلاث مرات كان آخرها قبل عامين في
جنوب أفريقيا. بينما كان الإنجاز الأبرز للبرتغال بلوغ المباراة النهائية
للبطولة الأوروبية عندما استضافتها عام 2004، قبل أن تسقط أمام اليونان،
بالإضافة إلى بلوغ نصف نهائي مونديال عام 1966 بجيل ذهبي آخر قاده الفهد
الموزمبيقي الاصل إيزيبيو.
ولكن عنما يأتي الأمر لمواجهات الفريقين، فالتفوق في الغالب ما يكون
برتغالياً، وخلال اللقاءات العشرة التي جمعتهما في الماضي، لم تنجح هولندا
في تحقيق الفوز سوى مرة واحدة جاءت خلال تصفيات بطولة أمم أوروبا 1992، في
الوقت الذي شهد فيه العقد الأخير، نجاح السيليساو البرتغالي في الإطاحة
بغريمه البرتقالي من تصفيات مونديال 2002 ثم من نصف نهائي بطولة أوروبا
2004، قبل أن يسقطه أيضاً في الدور الثاني من نهائيات كأس العالم عام 2006
في مباراة لا تنسى، أطلق عليها الإعلام الأوروبي اسم "موقعة نورمبرغ"،
وكانت أخر مواجهة بينهما قبل مواجهة الأحد المقبل.
سنحاول خلال السطور التالية إلقاء المزيد من الضوء على أبرز اللقاءات التي جمعت بين المنتخبين العريقين.
فوز يتيمفي السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 1991، استضاف المنتخب الهولندي
نظيره البرتغالي على ملعب دي كويب بمدينة روتردام وهو يبحث عن فوز يخطف به
صدارة المجموعة السادسة من تصفيات بطولة أمم أوروبا، المقرر إقامتها بعد
عام واحد في السويد.
ضمت المجموعة إلى جانبهما كل من اليونان وفنلندا ومالطا، وكان المنتخبان
شريكان في الصدارة بتسع نقاط لكل منهما، ولكن المنتخب الهولندي كان
متفوقاً بفارق الأهداف، وفي حالة تحقيقه الفوز على ضيفه البرتغالي سيبتعد
بفارق نقطتين، وبالتالي يكفيه التعادل بعد ذلك في مباراته الأخيرة أمام
اليونان في أثينا لضمان التأهل.
كان الفريق الهولندي يضم معظم العناصر التي توجت معه قبل أربعة أعوام
بلقب بطولة أوروبا، كما كان يقوده حينها المدرب الشهير رينوس ميشيلز، أبرز
رواد أسلوب الكرة الشاملة، وصاحب إنجاز قيادة الفريق إلى اللقب الأوروبي
عام 1988 بالإضافة إلى بلوغ نهائي مونديال 1974.
ثلاثي بث الرعب في أقوى خطوط الدفاع
ولكن بداية تلك التصفيات شهدت سقوط الهولنديين في لشبونة بهدف نظيف سجله
المهاجم روي أغواس، في أول لقاء يجمع بين المنتخبين في تاريخهما، وبالتالي
لم يكن المنتخب البرتغالي خصماً يستهان به، خاصة مع وجود بعض العناصر
المميزة فيه مثل الحارس فيتور بايا والمدافع الشاب فرناندو كوتو والمهاجم
الخطير باولو فوتري، بالإضافة إلى لاعب شاب واعد عمره 18 عاماً كان يخوض
مباراته الرسمية الأولى مع المنتخب اسمه لويس فيغو.
المهمة كانت صعبة للبرتغاليين، بقيادة المدرب كارلوس كيروش، أمام فريق
يضم الثلاثي المرعب ماركو فان باستن ورود خوليت وفرانك رايكارد، بالإضافة
إلى الأخوين رونالد وإروين كومان والحارس المميز هانز فان بروكلين، والاسم
القادم بقوة في الكرة الهولندية دينيس بيركامب.
وفي أجواء ممطرة أمام أكثر من 50 ألف متفرج نجح الهولنديون في تحقيق فوز
صعب بهدف دون مقابل بفضل ريتشارد فيتشغه الذي أطلق قذيفة بقدمه اليسرى من
خارج المنطقة لم ينجح الحارس الحارس فيتور بايا في إيقافها.
هولندا حققت الفوز على اليونان في أثينا بهدفين نظيفين في آخر مبارياتها
لتتأهل بجدارة عن المجموعة إلى النهائيات في السويد، ولكنها لم تنجح في
الحفاظ على لقبها وودعت تلك النهائيات من الدور قبل النهائي بعد الخسارة
بركلات الترجيح أمام المفاجأة الاسكندنافية، منتخب الدنمارك.
البرتغاليون يثأرونأوقعت قرعة التصفيات الأوروبية لمونديال 2002 منتخبي هولندا والبرتغال
معاً في المجموعة الثانية إلى جانب جمهورية أيرلندا وإستونيا وقبرص
وآندورا.
كل التوقعات كانت تصب في مصلحة الهولنديين لتصدر المجموعة والتأهل
مباشرة إلى النهائيات المقرر إقامتها في كوريا الجنوبية واليابان، في الوقت
الذي قد تتنافس فيه البرتغال وجمهورية أيرلندا على مقعد في الملحق
الإقصائي "البلاي أوف" أمام منتخب آسيوي.
فمنتخب هولندا كان يبدو في أفضل حالاته خلال تلك الأعوام، بعد بلوغه نصف
نهائي مونديال 1998 قبل أن يخرج بركلات الترجيح أمام البرازيل، بالإضافة
إلى خروجه أيضاً بركلات الترجيح من نصف نهائي بطولة أمم أوروبا بعدها
بعامين أمام نظيره الإيطالي.
ولكن نتائج تلك المجموعة خالفت كل التوقعات، ونجح المنتخب البرتغالي في
انتزاع الصدارة والمقعد المباشر في المونديال الآسيوي، بينما خطف منتخب
جمهورية أيرلندا مقعد البلاي أوفس وهزم إيران ليتأهل هو الآخر، في الوقت
الذي حل فيه منتخب هولندا ثالثاً وتابع لاعبوه المونديال على شاشات
التلفاز.
روي كوستا يمر من إدغار دافيدز
أحد أبرز أسباب خروج المنتخب الهولندي كانت بدايته السيئة للتصفيات
وفشله في انتزاع النقاط الثلاث عندما استضاف كبار المجموعة على أرضه، فبعد
ان افتتح مشواره بتعادل مخيب 2-2 على ملعب أمستردام أرينا أمام جمهورية
أيرلندا في أيلول/سبتمبر عام 2000، حقق الفريق الفوز في الشهر التالي على
قبرص خارج ملعبه 4-صفر، قبل أن يكون عليه بعدها بأيام قليلة استضافة منتخب
البرتغال.
في الوقت نفسه بدات برازيل أوروبا، بقيادة المدرب أنطونيو
أوليفييرا، رحلة العودة إلى النهائيات للمرة الأولى منذ 16 عاماً، بالفوز
على إستونيا خارج ملعبها 3-1 ثم التعادل في لشبونة أمام أيرلندا 1-1.
فترة التسعينيات كانت صعبة على الفريق ولكنه أنهاها بأداء قوي في
نهائيات أمم أوروبا عام 2000 حين بلغ الدور قبل النهائي قبل أن يخرج أمام
فرنسا في مباراة شهيرة، سجل خلالها زين الدين زيدان هدف الفوز للديوك في
الدقائق الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني عبر ركلة جزاء.
الفريق كان لا يستهان به مع وجود أسماء مثل فيغو وسرجيو كونسيساو وروي
كوستا وباوليتا، ولكن صفوف الهولنديين أيضاً لم تخلُ من بعض أبرز نجوم
القارة العجوز، مثل إدغار دافيدز وكلارنس سيدورف وفيليب كوكو ومارك
أوفرمارس ومارك فان بومل، بالإضافة الى المهاجم الخطير باتريك كلويفرت
والحارس إدوين فان در سار، كما أن مدربهم هو لويس فان غال، صاحب الإنجازات
العديدة مع ناديي أياكس أمستردام وبرشلونة خلال التسعينيات.
على ملعب دي كويب وأمام أكثر من 44 ألف متفرج، نجح البرتغاليون في الثأر
لهزيمتهم قبل تسعة أعوام، وحسموا اللقاء خلال الشوط الأول بفضل تألق
باوليتا الذي قدم إحدى أفضل المباريات في مسيرته مع المنتخب، فصنع الهدف
الأول في الدقيقة 11 لسرجيو كونيسياو بتمريرة بينية متقنة، قبل أن ينقض في
نهاية الشوط نفسه على تمريرة خاطئة من مايكل رايزيغر ويراوغ ما تبقى من
مدافعي أصحاب الأرض بمهارة شديدة ويضع الكرة في شباك فان در سار.
ولم ينجح الهولنديون في هز شباك الحارس البرتغالي كويم خلال الشوط
الثاني ليخسروا ثلاث نقاط ثمينة كان لها أبلغ الأثر في فشلهم في بلوغ
النهائيات التي شهدت عودة البرتغال للمرة الأولى منذ عام 1986. ولكنها كانت
مشاركة للنسيان بالنسبة للبرتغاليين حيث ودعوا البطولة من الدور الأول بعد
خسارتين تاريخيتين أمام الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
فوز تاريخيعلى ملعب جوزيه ألفالادي في لشبونة، شاءت الأقدار أن يلتقي المنتخبان مجدداً في قبل نهائي بطولة أمم أوروبا الثانية عشرة.
منتخب البرتغال على أرضه وبين جماهيره، كان يبحث عن تأهل إلى النهائي
للمرة الأولى في تاريخه، فرصة لم يكن ليفوتها البرتغاليون حتى لو كان الخصم
هو منتخب هولندا الأكثر خبرة.
وكان الفريق يبدو أكثر ثقة من أي وقت مضى، مع وجود المدرب البرازيلي
لويز فيليبي سكولاري، الذي قاد منتخب بلاده قبلها بعامين إلى لقبه العالمي
الخامس، وأيضاً بوجود عدد من اللاعبين المميزين في كل خطوط الفريق، بدءاً
من الحارس ريكاردو والمدافعين جورجي آندرادي وريكاردو كارفاليو، ثم
كوستينيا ومانيتش وفيغو وديكو في الوسط، وباوليتا واللاعب الشاب كريستيانو
رونالدو في المقدمة.
بداية الفريق في البطولة كانت سيئة حيث خسر المباراة الافتتاحية أمام
اليونان، ولكنه عاد بقوة بعد ذلك وتغلب على إسبانيا وروسيا، قبل أن يطيح
بإنكلترا من ربع النهائي بركلات الترجيح.
هولندا، قادها المدرب ديك أدفوكات الذي بدأ المباراة أمام البرتغال
بتشكيلة تضم عناصر هامة مثل الحارس فان در سار والمدافعين ياب ستام
وجيوفاني فان برونكهورست ولاعبي الوسط كوكو ودافيدز وروبن، ومهاجم من أفضل
مهاجمي أوروبا هو رود فان نيستلروي، في الوقت الذي تواجد فيه على دكة
البدلاء لاعبين مثل كلويفرت وويسلي سنايدر ورافاييل فان در فارت وروي
ماكاي.
رونالدو افتتح التسجيل للبرتغال
طريق الهولنديين إلى هذا الدور كان شديد الوعورة، فبعد أن بدأوا البطولة
بالتعادل أمام ألمانيا 1-1، سقطوا أمام جمهورية التشيك 2-3، قبل أن يحققوا
الفوز على لاتفيا 3-0 ويخطفوا المركز الثاني في المجموعة من الألمان. وفي
الدور ربع النهائي احتاجوا بعضاً من الحظ ليتجاوزوا السويد بركلات الترجيح.
الشوط الأول انتهى بتقدم البرتغال بهدف سجله رونالدو برأسية بعد ركنية
نفذها ديكو، وكان بإمكان أصحاب الأرض توسيع الفارق لو نجح باوليتا في
استثمار الفرص التي سنحت له.
ثم شهدت الدقيقة 58 واحداً من أجمل الأهداف في تاريخ البطولة، مانيتش
استقبل الكرة في الجهة اليسرى قبل أن يسدد كرة رائعة في المقص الأيسر
للحارس فان در سار، ويُقرب فريقه أكثر من التأهل التاريخي.
ولكن المدافع أندرادي أعاد الهولنديين مرة أخرى إلى اللقاء بعد خمس دقائق بتحويله عرضية فان برونكهورست بالخطا إلى داخل شباك فريقه.
أبناء المدرب سكولاري صمدوا في الوقت المتبقي من اللقاء ليحتفلوا بظهور
تاريخي أول في المباراة النهائية، كان فيما بعد بمثابة الكارثة حيث سقطوا
من جديد أمام اليونانيين بهدف دون مقابل ليفشلوا في انتزاع أول ألقابهم وسط
حسرة جماهيرهم.
موقعة نورمبرغبعد مرور عامين، كان الهولنديون والبرتغاليون على موعد مع مواجهة جديدة،
هذه المرة على ملعب فرانكنشتاديون بمدينة نورمبرغ في دور الستة عشر من
نهائيات كأس العالم بألمانيا.
مواجهة دخلت التاريخ كواحدة من أشرس المباريات منذ انطلاق المونديال،
وسيتذكرها العديد ممن تابعوا البطولة ليس لهدف الفوز الجميل الذي أحرزته
البرتغال عبر مانيتش "مرة أخرى"، ولكن بفضل إشهار الحكم الروسي فالنتين
إيفانوف لأربع بطاقات حمراء و16 بطاقة صفراء على مدار التسعين دقيقة. وهو
العدد الأعلى من البطاقات التي يشهرها حكم في مباراة واحدة خلال كل
البطولات التي نظمها الفيفا حتى يومنا هذا.
البرتغال، التي نجحت في الاحتفاظ بلويز فيليبي سكولاري كمدرباً للفريق،
بلغت دور الـ16 بعد تصدرها ترتيب مجموعتها في الدور الأول، بأداء غير مقنع
ولكن بثلاثة انتصارات، على أنغولا 1-صفر وإيران 2-صفر والمكسيك 2-1.
أما
هولندا التي خاضت البطولة تحت قيادة المدرب قليل الخبرة، ماركو فان باستن،
فتعادلت في آخر مبارياتها في الدور الأول سلبياً أمام الأرجنتين، لتحتل
المركز الثاني بفارق الأهداف عن منتخب التانغو، بعد أن كانت قد فازت قبل
ذلك على صربيا بهدف دون مقابل وعلى كوت ديفوار 2-1.
منتخب البرتغال كان تقريباً بنفس الفريق الذي شارك في بطولة أوروبا قبل
عامين، مع وجود الحارس ريكاردو والمدافع كارفاليو ولاعبي الوسط كوستينيا
ومانيتش وفيغو والنجم كريستيانو رونالدو والمهاجم باوليتا.
والأمر لم يختلف كثيراً في الجانب الهولندي، بوجود أسماء مثل فان در سار
وفان بومل وفان در فارت وسنايدر، ولكن يبدو أن الخلافات كانت قد وجدت
طريقها بين أبناء الأراضي المنخفضة، فالمدرب فان باستن فاجأ الجميع بالدفع
منذ البداية بديرك كويت بدلاً من رود فان نيستلروي الذي شارك في جميع
المباريات الماضية كأساسي.
وبالفعل أثر غياب المهاجم المتميز بشكل كبير على أداء خط هجوم الفريق
خلال اللقاء، ومع مرور الوقت انتظر الجميع أن يدفع به فان باستن، خاصة مع
تأخر الفريق بهدف في منتصف الشوط الأول سجله مانيتش بتسديدة جميلة بعد أن
تلاعب بالدفاع الهولندي.
مواجهة ساخنة
ولكن فان باستن استمر في عناده وجلس فان نيستلروي على دكة البدلاء حتى صافرة النهاية.
المباراة شهدت العديد من الالتحامات العنيفة والتي كان أحد ضحاياها
كريستيانو رونالدو بخروجه مصاباً في الشوط الأول بعد خطأ بدا متعمداً من
خالد بلحروز.
البطاقات الحمراء جاءت كلها بعد بطاقة صفراء ثانية، وكان أصحابها كل من
كوستينيا في الوقت بدل الضائع من الشوط الأول، ثم خالد بلحروز في الدقيقة
63، ومن بعده ديكو في الدقيقة 78، وأخيراً فان برونكهورست في الوقت بدل
الضائع من اللقاء.
إيفانوف، الذي كان يخوض عامه الأخير كحكم دولي، واجه انتقادات كثيرة بعد
هذا اللقاء، وصل إلى حد سخرية رئيس الفيفا جوزيف بلاتر منه قائلاً أن ما
كان ينقص هذا اللقاء هو أن يشهر "إيفانوف" بطاقة صفراء لنفسه. ولكن رئيس
الفيفا سرعان ما اعتذر عن تصريحاته الغير مسؤولة مؤكداً أن الحكم تصرف في
حدود القانون وأن كل قراراته كان مبررة.
البرتغال واصلت تألقها في تلك البطولة فأطاحت بإنكلترا مجدداً من ربع
النهائي، قبل أن ينتهي مشوارها في الدور قبل النهائي أمام فرنسا "زيدان"،
علماً أنها انهت البطولة في المركز الرابع بخسارتها مباراة تحديد المراكز
أمام ألمانيا.